روايات شيقهرواية عشرون رسالة قبل الوقوع في الخطيئة

رواية عشرون رسالة قبل الوقوع في الخطيئة الفصل الاول

_الفصل الأول_

الرسـاله العشـرون و الأخيـرة…

” أكتب كلماتي تلك كـي لا تتهمـوا مخلوقًا بِـقتلي ، هذه رسالـتي الأخيرة للعالم المظلم ، كتبتها بِأَدمُع عيناي و تنهيدات روحي المرهقه ، وأنا في كامل وعيي و إدراكي بعـد أيام من الإمتناع عن تناول تلك الحبوب المهدئه التي وصفها الطبيب لي، فتلك الحبوب خبيثه، تتركني هامدة ،خامدة ، لا بريق في عيني ، ولا روح في جسـدي !

أخبروا والدي أنّي أحبه ، أخبروه أنه لم يتغافل يومًا عن الإهتمام بي و لم يتواني عن رعايتي و تدليلي، و اطلبوا منه العفو ، لا بد أنني سوف أحتاج إليه..

أمّا عن دائرة معارفي -المحدوده- أخبروهم أنه لا جدوي من النحيب الآن، فلقد إستهلكت جميع رسائلي السابقة مُستجديةً إيّاهم و لكن الجميـع بات منشغلًا ، علي ما يبدو أن لكلٍ منهم حياه كانت تتسع للكثير من الهموم ما عدا أنا.

رسالتـي تلك لن تندسّ بين قريناتها كالسـابق ، سوف أتركها أينما تفارق روحي النقية ذلك الجسـد الذي دنّسته النوايا الخبيثـه.!

إنّي راحلة والأسف يملأُ فؤادي علي الخلائق التي لم تُدرك بعد أن سبيل الموت لم يَكُن يومًا أول ما جال بخاطـر سالِكـوه و عَمَت أبصارهُم عن كل المحاولات المُهـدره بين السطـور !

و خِتـامًا ؛ إن وُجِد بعد موتي من يَزعُم أنه كان يعشقني ، أخبروه بأنه لو أتي قبل دقائق معدوده فقط ، ما كنتُ سأصبح ما أنا عليهِ الآن !

هـذه الحيـاة ظالمة حقًـا…. ”

طَوت تلك الورقه بعد أن أفضت بهـا ما بداخلـها و همّت بوضعهـا داخل ذلك المظروف قبل أن تنتشلـها الريـح من بين يديها و تسوقها إلي تحت أقدام ذاك الذي يقف مسلـوب الروح ،خائـر القوي.

إنحنـي ملتقطـًا إيّاها و دون تفكير بدأ في قراءتها قبـل أن تتسع عيناه دهشًة و ينفرج فاه ذهولًا و تنطلق عيناه – لا إراديًا – في البحث عن تلك التي أقدمت علي إنهاء حياتها بكل شجاعـة.

رآها تخطو نحوه بكل ثبات ، عيناها فارغتان من كل شيء عدا الحـزن..

تحرّ قدميها جرًا وقد ناءت بِِحِملِها ثم نظرت إليه ، وقبل أن تتفوه بكلمه زاغ بصرها و سقطت بهدوء لتجد مكانها… هنا ، إلي جانب رسالتها… جوار أسفل قدميه.

إنتفض إثر صدمتها بالأرض الصلبه بقوة ، فإنحني بجزعِهِ يحاول إفاقتها ضاربًا بأصابع يده علي صدغيها بخفه ولكنها أبت أن تستجيب.

إلتقطها بعناية بين ذراعيه ، تحت نظرات التعجب والإستهجان من البعض و الفضول من البعض الآخر ثم ضمها إليه بقوة محاولًا فتح باب سيارته دون أن يفلتها من بين يديه، ثم وضعها علي المقعـد الخلفي و أغلق الباب بحذر ثم عاد إلي حيث كانت تجلس وأخذ حقيبتها و عاد إلي سيارته مرة أخرى متجهًا بها إلي المشفـي.

******

كان يجلس علي مقعدٍ للإنتظار في إحدي زوايا تلك المشفي العريق ، متفحصًا المكان من حوله بدقه ، كـعادته ؛ يهوي إمعان النظر بكل ما يحيطه..

إنتشله من تركيزه إتصالًا من مدبرة منزله فأجاب قائلاً: بردو مش راضيه؟!

=حاولت معاها بشتّي الطرق يا مستر ريـاض ، مفيش فايده.

هكذا أجابت ” إقبال” بيأس و إستطردت: عشان خاطر ربنا تكلمها إنت تراضيها يمكن تسمع كلامك.

_إقفلي يا إقبال مش فاضيلك.

أنهي المكالمه بحدة دون إنتظار ردها و وضع هاتفه بـِ جيبهِ قبل أن يقف متأهبًا فور رؤيته تلك الممرضه تهرع نحوه قائلة: المريضه دمها فيه نسبة سم عالية ، محتاجين لها نقل دم فورًا.

هكذا تفوهت الممرضه دون إبداء أية تعبيرات لتحصل علي تلك الإجابه منه بكل هدوء:

_أنا فصيلتي ” O-” ممكن أديها دم.

سار خلف الممرضه متجهًا برفقتها نحو غرفة الفحص..

=إتفضل حضرتك ارتاح.. يا ريت بعد إذنك البطاقه ، هناخد منك شوية معلومات قبل نقل الدم.. ا

أخرج جُزلانهِ وإلتقط منه بطاقته الشخصية ثم وضعها أمامها علي سطح المكتب لتبدأ في نقل بياناته الشخصية منها ثم سألته :

= بتعاني من أي مرض من الأمراض المعدية بالدم؟

_لأ.

=طيب إتفضل حضرتك اطلع علي الميزان وبعدها نقيس معدل نبض القلب والضغط..

نهض ليفعل ما أمرت بهِ ثم بعد الانتهاء غادر الغرفه علي الفور…

مرت ساعه تلو الأخرى وهو لا يزال مسطحًا علي ذلك السرير ينتظر الإنتهاء من عملية نقل الدم كي يغادر ذلك المكان اللعين الذي يقبض روحهِ و يصيبه بالكرب ، إنفرج باب الغرفه لتظهر الممرضة من خلفه التي قالت: حضرتك حاسس بأي تعب أو دوخه؟

_لأ كله تمام ، هو فاضل قد إيه؟

=كمان ساعه.

_ وهي عاملة إيه؟

تنهدت الممرضه بشفقةٍ ثم قالت: ربنا معاها.. عن إذنك.

مطّ شفتيه ببرود ، أومأ برأسهِ بهدوء مردفًا بخفوت: مغفله !!

…….

الأمر أشبـه بدوّاماتٍ تعصف بها ، تسحقها سحقًا ، تنتزع منها روحها و تعتصر قلبها ، تسحب منها هويّـتها وتتركها نَكِرَه…

لحظة واحدة تفصلها عن الموت.. تتأرجح الكفة يميناً ويساراً كبندول ساعة حائر بين وجود وعدم، هل تكمل الطريق إلى نهايته أم ستكون هناك فرصة أخرى للعودة إلى الوراء؟

و لمّا بدأت دماؤهُ تأخذ حيّزًا في أوردتها بدأت الحياة تدب رويدًا رويدًا بقلبها ، سحبت شهيقًـا طويلًا كمن إنقطع عنه الهواء لزمنٍ وعاد الآن فقط ، لتبدأ معدّلاتها الحيويه في الإستقرار مشيره إلي عودتها إلي الحياة مجددًا .

فرّقت بين أجفانها بثقل و وهن ترفرف بأهدابها حتي إنقشع عنها الضباب و إتضحت لها الرؤية فحركت بؤبؤيّ عينيها بحثًا عن أحدٍ ما ولكن علي ما يبدو أنها وحيدة هنا كالعادة.

تعلقت عيناها بباب الغرفه عندما إستمعت إلي صوت الممرضه بالخارج لينفرچ الباب وتدخل منه شابة حسناء إنبسطت أساريرها فجأًة عندما رأتها وقد عاد إليها وعيها فنادت : دعااء.. المريضه فاقت..

هرولت الفتاتان إلي الغرفه ووقفتا واحدةَ عن يمينها والأخري عن شمالها وقالت: حمدلله علي السلامة..

أومأت برأسها بتعب وقالت: عايزة ميه..

ناولتها الممرضه كوبًا من الماء وقالت لزميلتها: دعاء خليكي معاها أنا هبلغ الدكتور وراجعه..

أومأت دعاء بموافقةٍ ثم نظرت إليها وقالت: قوليلي بقا يا آصـال…

كادت أن تبصق جرعة المياه التي إرتشفتها للتو وقالت بأعين فزعه: إنتي عرفتي إسمي منين؟

قطبت الممرضه جبينها بتعجب وقالت: من بياناتك اللي عندنا أكيد..

_ وجبتوا بياناتي منين؟!

= حضرت ده اللي كان معاكي؟!

ضيّقت بين حاجبيها بتفكير إستغرق ثوانٍ وقالت: وهو عرف بياناتي منين؟!

ضحكت الممرضه مردفه : لأ دي بقا إسأليه عليها.. اللي أعرفه إن شنطتك وفيها بطاقتك تحت في الامانات..

أومأت بموافقة لتنصرف الممرضه فور دخول الطبيب المتابع لها قائلًا : حمدالله على السلامه.. ماشاءالله وشنا نور النهارده أهو..

إبتسمت آصال بتكليف فقال: في حد لطيف وعاقل كدا يفكر ينتحر؟! يا شيخه سيبتي إيه للمجانين؟؟

_ المجنون من وجهة نظر حضرتك ده إحنا بنحسده علي سلامه النفسي وراحة باله، مش دايمًا كل الأمور في نصابها الصحيح بتكون مريحه يا دكتور.

مطّ الطبيب شفتيه قائلًا : ده إحنا قدام فيلسوفه كبيره بقاا..

إبتسمت بخفه لتذكرها تشبيه والدتها و نعتها لها دائمًا بـ ” الفيلسوفه” ثم قالت: إمتا هقدر أخرج يا دكتور؟!

نظر إليها الطبيب ثم تقدم من السرير الذي تجلس عليه وجلس علي طرفهِ ، ونظر إليها متنهدًا بشفقةٍ علي حالها ثم قال: هننتظر الأول تقرير النيابه وفي حال أثبت إنه مفيش شبهه جنائية تقدري تخرجي..

أردفت بنزق: شبهه جنائيه إزاي وأنا بنفسي معترفه إني أنا اللي حاولت أنتحر؟!

_دي إجراءات روتينية لازم تتعمل، علي العموم طالما واثقه من كلامك يبقا هتخرجي بسرعه إن شاء الله ، ولازم أول ما تخرجي تتوجهي لدكتور نفسي وتتكلمي معاه!

أومأت بخفه وهي تقطع أدبار ذلك الحديث العقيم -من وجهة نظرها- لينصرف بعدها الطبيب مغادرًا الغرفة ، تاركًا خلفه سكونٍ و هدوء.

….

علـي الجانـب الآخـر..

كان “ريـاض” قد دخل إلي منزله للتو ، صعد إلي الطابق العلوي الخـاص بغرفة نومهِ ثم دلف إليها ملقيًا بجسدِهِ إلي الفراش بتهالك ، لقد أعياهُ السهر لثلاثة أيامٍ متواصلين دون أن يتلاقي جفناه ولو لثانية.

سحب شهيقاً طويلًا ملأ به رئتيه ثم إتكأ مائلًا علي جزعِهِ وهو يفتح صوانـة السرير ويلتقط منها علبة سجائره الفخـمه وبدأ بإشعال أول سيجارة ، همّ بغلق درج الصوانة لتقع عيناهُ علي تلك الرسالة..

إمتدت يداه بحذر وأخذها وإعتدل قائمًا ليقرأها ثانيةً ، ثبّـت سيجارته بزاوية فمه بحرفية وقام بفتح الرسالة وبدأ بقراءتها بإمعان…

” إنّي راحلة والأسف يملأُ فؤادي علي الخلائق التي لم تُدرك بعد أن سبيل الموت لم يَكُن يومًا أول ما جال بخاطـر سالِكـوه و عَمَت أبصارهُم عن كل المحاولات المُهـدره بين السطـور ! ”

توقف لدي قراءته تلك الكلمات ، مستشعرًا ذلك اليأس الذي خلّلها ، و ذلك الألم الذي غلّفها ليجعلها تخرج في تلك الصورة.

سحب نفسًا سحيقًا من السيجارة ثم أطلق سراحها لتلقي حتفها إلي جانب قريناتها في المنفضه ، و دلّك جبينه بتعب ثم عاد لينظر إلي الرساله بين يديه مجددًا…

” هذه الحيـاه ظالمة حقـًا…”

_ظلم؟! شفتي ظلم إيه إنتي ؟!

تفوه حانقًا مستهجنًا كلماتها ثم طوي الرسالة وألقاها بالدُرج مجددًا بإهمال.

نهض ليستعد ، بدّل ثيابهُ بعد أن أخذ حماماً باردًا ثم نثر عطرهِ ذو العلامة التجارية الشهيرة وإلتقط مفاتيح سيارتهِ و هاتفهِ و أخذ يفحص جزلانهِ قبل مغادرة المنزل كعادته..

_البطـاقـه !!

قالها بتعجب وهو يجاهد ليتذكر أين هي!

زمّ شفتيه بضيق عندما تذكر أنه قد تركها بالمشفـي منذ ذلك اليوم ، إذن عليه أن يرجع إلي ذلك المكان البغيـض مرة أخري.

إستقلّ سيارته و أدار المُحرك متجهًا إلي المشفـي ، إرتفع رنين هاتفه فأجـاب : أيوة يا إقبال ؟

_أيوة يا مستر ريـاض ، حضرتك جاي في الطريق؟

=لأ مش جاي النهارده ، بكرة ممكن.

_بكره !! بس دي …

قاطعها بتعنيف : من غير بس يا إقبال، قولت بكره جاي.. سلام دلوقتي.

أنهي المكالمه بحدة و قام بالإتصال بصديقهِ “معتز” الذي أجاب مسرعًا : أيوة يا رياض؟

_ روح البيت عندي ، ” زَهره ” هتنزللك خدها وروحوا أي مكان..

قاطعه معتز قائلًا : يبني زهره محتاجالك إنت ، هتعمللها ايه الخروجه يعني لو مش معاك؟

أجاب متأففًا : معتز إنجز.. هتاخدها وتخرجوا ولا لأ؟

_ماشي يا رياض حاضر، بلغتهم هناك طيب؟!

= لأ كلمها إنت …

_اممم.. علي أساس إن ده إقتراح مني أنا ، مش كده!

= نبيه ماشاء الله عليك.

_ ماشي يا عم ، لما نشوف أخرتها معاك..

أنهي رياض المكالمة ووضع هاتفه بجيبه ، ثم صف سيارته أمام المشفي و ترجل منها دالفًا إلي الداخل..

توجه إلى قسم الأمانات وسأل الموظفة: لو سمحتي أنا نسيت بطاقتي هنا أول إمبارح ، كنت بنقل دم لواحده والممرضه خدتها مني ومشيت ونسيت أخدها…

أمرتهُ الموظفه بالإنتظار لبرهه حتي تحضرها له ثم قالت: إتفضل حضرتك البطاقه أهي ، و إمضي هنا !

أخذ بطاقته وقام بالإمضاء علي إستلامها ثم شكرها و إستدار للمغادرة قبل أن يصطدم بتلك الهشـه التي كادت أن تسقط أرضًا لولا ساعدهُ العريض الذي منعها..

_حاسبـي..

قالها بلهفه وهو يضع ساعده خلف ظهرها يساعدها علي الإستقامة مجددًا ، إنزوي ما بين حاجبيه مبديًا إستغرابه قائلًا: هو إنتـي؟!!

صلبت ظهرها وهي تطالعه بتذكر وقالت: إنت…..

أومأ برأسهِ بتوكيد قائلًا : أيوة أنا ، بقيتي كويسه ؟

أومأت وعيناها تأبي النظر إليه فقال : حمدالله على السلامه.

_الله يسلمك، شكرًا ليك..

= العفو، ده واجب، عن إذنك..

أخذ بطاقته وغادر المشفي بينما إنتظرت هي لإستلام أغراضها ومن ثَمّ لحقت به..

….

في سيارتهِ كان قد دخّن سيجارةٍ علي عُجالـه ثم أدار محرك السياره منطلقًا بها في طريقه لتستوقفه رؤيتها وهي تشير إلي سيارات الأجرة في محاوله فاشله منها لإيقاف إحداهم..

توقف أمامها بسيارته و أحني رأسه قليلًا ليحادثها قائلًا : إتفضلي أوصللك.. الساعه ٢ الضهر إستحاله تلاقي تاكسي فاضي..

أجابت هي علي إستحياء : ميرسي، هطلب أوبر..

_ يستي إعتبريني أوبر وجيت لحد عندك.. إركبي!

فتح لها باب السياره الأمامي المجاور له فإستقلت السياره بحرج قائلة : مساء الخير..

لا يعلم لِما إنتابه الضحك ولكنه تماسك قائلا: مساء النور ، تحبي أوصلك فين؟

تنهدت بحيرة وقالت بشرود : مش عارفه ، أي مكان هتنزل عنده نزلني..

إلتقط حيرتها ، تخبّطها ، إنكسارها و ضعفها بعينٍ خبيره قد رأت منهم الكثير فقال : أنا كنت رايح اقعد علي البحر ، النهارده اليوم الفري بالنسبالي وبحب أقضيه مع نفسي ، إيه رأيك تيجي معايا؟

_بس إنت لسه بتقول بتحب تقضيه مع نفسك!!

= يستي النهارده إستثناء مش مشكله ، هاا.. نروح؟

و أمام حاجتها لهكذا عرض ، أذعنت لطلبه علي الفور.

توقف بسيارته أمام البحر ، سحب زجاج النوافذ إلي آخره فـتسرب الهواء إلي السياره من كل جهه…

سحب كلًا منهما الهواء بداخل رئتيه ، مغمضًا عينيه ، سامحًا لرائحة البحر أن تتغلغل إلي أبعد نقطة في أعماق قلبهِ.

نظر إليها ليجدها – و للعجب – قد سالت دمعاتها علي خدّيها بهوان لينعقد ما بين حاجبيه بتعجب و فضول في آنٍ واحد.

قدّم إليها محرمة فـ كفكفت دمعاتها ليتسائل هو قائلًا : إنتي في حاجه مضايقاكي؟!

هزت رأسها أن لا وإلتزمت الصمت فقال: اومال ليه حاولتي تنتحري؟

إزداد بكاؤها فعلم أن المُصاب چلل..

_لو محتاجه تتكلمي أنا سامعك.. ومتقلقيش أنا نسّـاي!

نظرت إليه بأعين تأبي التوقف عن البكاء ، فيضانٍ جامح يصعب السيطرة عليه..

_مالك بتبكي ليه؟! ، قوليلي طيب إيه حكايتك ؟!

إرتجف صوتها وهي تقول: حكايتـي ؟ هقوللك…

…..

” إسترجـاع زمنـي طويـل ”

تزامنًا مع بدايـة شهر ” كانون الثاني ” حيث تتناثر قطرات المطر علي نافذتها بهدوء ورقة وكأنها تهمس إليها بشئٍ ما..

تجلس أمام مِدفأتِها وهي تضم نفسها بيديها ، و علي كتفها شالًا من الصوف يمنحها بعض الدفء ، و إلي جانبها فنجالًا من القهوة..

قلبُها ميتٌ منذ الخريف ، قد ذوي حين ذوت أول أوراق الشجـر ، ثم هوي حين هوت أول قطرات المطر ، و داخلُها يرتجف بردًا ، و كل ليلة بارده تزيده أكثر..

إمتدت يدها من أسفل شالِها تمسك بفنجال القهوة ثم أحاطته بكلتا يديها و راحت ترتشف منهُ علي مهلٍ..

حين أضاء هاتفها معلنًا عن وصول إشعار علي تطبيق ” الفيس بوك” ، تركت الفنجال من بين يديها و أمسكت الهاتف بملل تتفحصه..

برقت عينيها ببريق الحماس و الفرحه عندما رأت ذلك ” الإعلان الترويجي” عن قيام وكالة عـرض ببدء إستقبال عارضات أزياء جدد ، بدأت بقراءة محتوي الإعلان بشغف و ما إن حطّت عيناها علي رقم التواصل الخاص بهم حتي أسرعت بمراسلتهم علي تطبيق ” الواتس آب”..

إنتظرت حتي يتم الرد من قِبَلِهِم و راحت تتطلع نحو مستقبلها الذي باتت لياليها الطويله تتمناه ، الشهره ، الأموال الوفيره ، النجاح ، جنون الأضواء و أخيرًا حِلمها الذي عكفت علي تحقيقه دائمًا..

أصدر هاتفها صوت معلنًا عن وصول رساله لينتزعها من شرودها ،أمسكت الهاتف بلهفه و فتحت المحادثه….

_ مساء الخير.. حضرتك حابه تقدمي معانا ؟

إختطفت الحروف من علي لوحة مفاتيح الهاتف و كتبت سريعًا : أيوة.. ممكن التفاصيل ؟

_ حضرتك لو مواصفاتك مناسبه هتتفضلي تيجي تحضري الإختبارات وبعدها لجنة التقييم هتبلغك بكل التفاصيل..

=تمام ماشي..

_ حضرتك كام سنه ؟

= ٢٥ سنه..

_طولك و وزنك؟!

= الطول 170 و الوزن 65

_ هل سبق واشتغلتي في مجال عرض الأزياء قبل كده؟

=قدمت في كذا وكالة واترفضت..

_إيه السبب؟

= كانوا خدوا العدد الكافي.

_ محتاجين صور ليكي بجودة عالية توضح شكل جسمك..

=……..؟؟

_حضرتك معايا ؟

إنتابها القلق حِيال مطلَبهُ فإلتزمت الصمت ليعود مرسلًا إليها برساله جديده..

_ ألغي طلب التقديم يا فندم ؟؟

= لااا استني..

_محتاجين صور ليكي بجودة عالية توضح شكل جسمك!! الصور مهمه للتقييم المبدئي ، متقلقيش يا فندم جميع بيانات المشتركين في سرية تامة.

=اوكي، ثواني.

تفحصت صورها ، ثم قامت بإنتقاء بعض الصور ذات الجودة العالية و قامت بإرسالها إليه..

= تمام يا فندم ، هعرض بياناتك علي اللجنه و إذا تمت الموافقه المبدأيه هبلغ حضرتك.. بالتوفيق إن شاء الله.

تركت الهاتف من بين يديها وقد كممت فمها بيدها تكتم ضحكاتها التي تسللت إلي فاها بحماسٍ مفرط و راحت تتخيل نفسها حين ترتدي الحذاء ذو الكعب العالي وهي تمشي علي منصة عرض الأزياء ، يا لهُ من يومٌ جميـل..

قضت ليلتها ساهره ، أخرجت جميع ملابسها من الخزانـة و بدأت في إختيار أيهم أصلح لمقابلة الغـد..

نعم ، لقد تنبأت بحتمية قبولها ، و لِما لا ؟! ، فهي تثق بمقوماتها جيدًا..

لديها كل ما تحتاج إليه عارضة الأزياء المثاليه ، قوام ممشوق ، طول و وزن مناسبين للغايـه ، ملامح جميله مرسومه بدقة ، شعر حريري إنسيابي ، و الأهم هي إبتسامتها التي أوصتها والدتها دومًا بألّا تتخلي عنها..

_ خليكي دايمًا مبتسمه ، الإبتسامه بتنور الوش و بتدي انطباع حلو عن الإنسان ، عشان تنجحي و تكوني من أشهر عارضات الأزياء زي ما بتتمني لازم تسحري الكل بإبتسامتك.. إبتسامتك هي مفتاح نجاحك!!!!

تذكرت كلمات والدتها التي دائمًا كانت تلقيها علي مسامعها أملأ منها بأن إبنتها ستصبح إحدى عارضات الأزياء المشهورات ذات يوم.

وقع إختيارها بعد محاولاتٍ عدة علي سروالاً من الجلد الأسود و فوقه كنزة شتويه من اللون الأحمر القاني..

أحضرت جميع الكتب الخاصه بعالم الازياء التي إقتنتها علي مرّ السنين و جلست تتصفحها..

تقرأ عن كل ما يخص الموضه و الإتيكيت و كيف تتعامل مع الأضواء لأول مره و كيف تتفاعل مع الجمهور..

لقد باتت مهووسه بهذا العالم الملئ بالنجاح و الشهره ، أو هكذا ظنت!
…….

إستيقظت بفزع تبحث عن هاتفها بلهفه لتجده إلي جوارها ، أمسكته و بدأت بقراءة الرسائل التي جائتها لتجد ضالتها ها هنا..

_مبروك يا فندم، اللجنه وافقت عليكي مبدأيًا ، إتفضلي النهارده في فندق ” جراسيا ” في وسط البلد الساعه ٢ ، هتستقبلك بنت إسمها حسناء مسئوله عن التنظيم و بنت إسمها رضوي مسئوله عن التصوير ، هيكون معاكي مجموعه من المشتركات هتعملوا جلسة تصوير لبعض إصداراتنا ، و عليه هيتم موافقة أو رفض الوكاله لإعتمادكوا كعارضات رسميات هتمثلوا الوكاله في جميع المناسبات و الإيڤنتات الرسميه اللي بنشارك فيهاا.. بالتوفيق.

أنهت قراءه الرساله وهي تضع يدها موضع قلبها خِشيـة ألا يتوقف نبضه من فرط الحماس و الفرحه..

نظرت إلي الساعه فوجدتها تقترب من الواحده ظهرًا ، إتخذت طريقها نحو المغسـل ركضًـا ، تحممت وأبدلت ثيابها كـطفلٍ يستعد لأول أيام العيـد..

زيّنت وجهها قليلًا و إلتقطت حقيبتها و فتحت باب غرفتها لتصطدم بوالدها ذلك الرجل ذو الخمسون عاماً و نيّفًا..

_صباح الخير يا لولو ، بتجري ليه كده ؟

قبّلتهُ سريعًا وقالت: ورايا مشوار مهم يا بابا ، عن إذنك.

_إستني عندك ، مشوار مهم إيه ده اللي معرفش عنه حاجه؟!

تنهدت بضيق وقالت: لما أرجع هحكيلك يا بابا ، دلوقتي متاخره..

قال والدها بإصرار: لا يمكن، مفيش خروج غير لما أعرف..

أغمضت عينيها بقوة ليتبين غضبها فقال : خلاص يبقا علي الأقل تفطري..

همّت بالإعتراض قائلة : يا بابا بس…

قاطعها قائلًا : مفيش بس.. يلا عالفطار وبعدين إتفضلي إنزلي مشوارك الغامض ، بس خلي بالك لما ترجعي مش هسيبك غير لما أعرف..

جلست إلي جوار والدها يتناولان طعام الإفطار و والدها لا يتوقف عن إطعامها بيده..

تذمرت كالأطفال قائلة: يا بايا كفايه هو إنت بتزغط بطه!!

_ ومالو، كلي عشان تبقي بطه شبه أمك الله يرحمها..

= لاااا.. أنا هفضل محافظة علي رشاقتي ، لازم أفضل علي الوزن المثالي للموديلز يا حبيبي..

نظر والدها إليها بحدة قائلًا : آصــال !! إحنا إتكلمنا في الموضوع ده قبل كده و قولتلك إنه مرفوض رفض تام و نهائي ،و أفتكر كمان إني نبهتك متجيبيش السيره دي قدامي تاني!!

إعترضت فقالت : ليه بس يا بابا ؟ ما إنت عارف إن ده حلم حياتي و إني من صغري نفسي أكون عارضة أزياء..

_ بلا نفسك بلا مش نفسك، بلاش كلام فارغ..

نهض والدها غاضبًا لتتبعه بإلحاح : لو سمحت يا بابا مش كل مره هنتكلم في الموضوع ده حضرتك تقوم و تسيبني.. علي الأقل فهمني وجهة نظرك يمكن أقتنع..

نظ رإليها والدها متنهدًا بقلة حيلة ثم سحبها من يدها لتجلس إلي جواره ففعلت ثم قال : يا بنتي العالم ده مش عالمنا ، الناس اللي فيه مش شبهنا ولا طينتهم زي طينتنا ، إنتي مش قد شروطه و قوانينه و أحكامه ، العالم ده يبنتي كله تنازلات!

إنزوي ما بين حاجبيها بإستفهام وقالت : مش فاهمه ، تنازلات إزاي؟!

_يعنـي تعملي حاجات مش شبهك ، تتخلي عن قيمك و مبادئك اللي إتربيتي و نشأتي عليها ، تتغري و تطمعي في الشهره و الفلوس و النجوميه و تنسي ربنا ، تنسي دينك و أخلاقك و الثوابت اللي كبرت فيكي و كبرت معاكي..

تنهدت بضجر ثم قالت: بابا حضرتك مكبر الموضوع و مديله أكبر من حجمه ، ما البلد مليانه موديلز هل كلهم بيتنازلوا ولا ببتخلوا عن عن أخلاقهم و ثوابتهم؟! لأ طبعًا..

أومأ برأسه ثم قال : أتا عارف إن دماغك حجر صوان ومش هتقتنعي بكلامي أبدًا ، كلام أمك الفاضي معشش في دماغك و ماليها بس أنا حذرتك و عرفتك اللي فيها و إنتي حره.

دلف والدها إلي شرفة غرفته يتصفح جرنالهُ و يحتسي قهوته بينما هرولت هي تفر إلي مستقبلها الذي إنتظرته كثيرًا و قد صمّت أذناها عن حديث والدها..

وصلت إلى الفندق ، ترجلت من سيارة الأجرة وهي تنظر إلي واجهة الفندق ، إنه فندق متواضع جدًا ، أثار في نفسها الريبه ! كانت علي وشك التراجع و لكن لا ، لقد أصبحت علي بُعد خطوات قليله من تحقيق حلمها.

أغلقت باب السياره وهي تهندم مظهرها للمرة العاشره و ما إن خطت أول خطواتها حتي إنبعث إلي أذناها صوت السائق يقول بضجر : الأجره يا أستاااااذه…!!!

إتساع عينيها و قضمة شفتيها كانتا تلك وسيلتها للتعبير عن إندهاشها مما فعلت فتقدمت منه وهي تخرج النقود من جزلانها وقالت : معلش أنا آسفه مخدتش بالي..

طالعها بحنق وراح يغمغم بكلمات غير مفهومة فقالت : ما قولتلك مخدتش بالي..

إنصرف السائق وأكملت طريقها تجاه الفندق ، أخرجت هاتفها و بعثت برسالة إلي ذلك المسئول عن الإعلان مفادها : أنا وصلت الاوتيل..

ثوانِ معدودة و جاءها الرد : التصوير في غرفه 512.

قطبت جبينها بتعجب و تسلل الخوف إلي قلبها و ظلت تتطلع حولها حتي وقع بصرها علي فتاتين بمجرد ما إن رأونها حتي أسرعوا نحوها..

_إنتي اللي جايه جلسة التصوير الخاصة بوكالة IMG ؟؟

تنهدت بإرتياح و أومأت بموافقه لتقول إحداهما : أنا حسناء المسئوله عن التنظيم و دي رضوي المصورة.. إتفضلي معانا التصوير في غرفه 512.

سارت خلفهما بحماس و رهبه لا تستطع أن تخفيها ، قدماها ترتجفان كورقةِ شجر يعصف بها الريح..

دلفت إلي الغرفه برفقة مسئولة التنظيم و المصورة لتجد مجموعة فتيات قد حضرن للتصوير..

إطمئن قلبها و جلست تنتظر لحظة البدء..

جميعهن يتطلعن نحو مستقبلهن المشرق ، الشغف قد أكل داخلهن ، حلمهن بات قيد أنمله من الآن..

بدأت جلسة التصوير ، تأهبن ، وقفن شامخات ، بدأن بتغيير الأزياء كما طلبت منهن المسئولة و قُمن بالتصوير ، كلهن يتقدمن نحو هدفهن خطوة بخطوة..

_بالتوفيق يا بنات ، هنبلغكم بقرار اللجنه في أسرع وقت.. اتفضلوا.

إنصرفن الفتيات و كلاً منهن تحلم بحياتها الجديدة ، تتخيل يوم صعودها علي منصة العرض ، الجميع يرمقهن بإعجاب و إكبار ، العديد من الكاميرات مصوبة نحوهن ، الكثير من العروض تتوالي عليهن…

عادت إلي منزلها لتجد والدها في إنتظارها و ما إن رآها حتي وقف متلهفًا : آصال.. كنتي فين كل ده قلقتيني عليكي!!

تقدمت من والدها و بداخلها شعور لم تستطع تفسيره..

توقفت أمامه مباشرةً و شبّت تطبع قبلةً فوق جبينه و إحتضنته قائلة : متقلقش عليا يا حبيبي ، المواصلات بس!

ربت فوق رأسها مبتسمًا وقال: ليكي عليا أول ما أسوي معاشي هجيبلك عربيه صغننه كده علي قدك تروحي وتيجي بيها بدل بهدلة المواصلات و لما تشتغلي إنتي تجيبي العربيه اللي تليق بيكي.

إبتسمت بهدوء وقالت: إن شاء الله يا حبيبي ، يلا تصبح على خير.

_ إيه ده !!هتنامي من غير عشا ؟

= مش جعانه يا بابا ، تصبح على خير.

دلفت إلي غرفتها ، بدلت ثيابها و فتحت فراشها و دخلت إليه ، لم يكحل النعاس لها جفنًا بل باتت ليلتها تحلم و تتأمل …

توالت الليالي ، و الأيـام ، حلمها يتعمق و يتغلغل بداخلها ، و لكن!!.. إلي متي الإنتظار ؟!!

أمسكت بهاتفها وقامت بإرسال رسالة إلي مسئول الإعلانات الذي راسلها مسبقًا : ” مساء الخير ، حضرتك هو مفيش أي أخبار عن نتيجة التقييم ؟! قولتوا إنكوا هتعرفونا برأي اللجنه بعد يومين وفات أسبوع !!

لم تصل الرساله ، إنتظرت لدقائق ، ساعات ، و لكن دون جدوي..

قامت بالإتصال بالرقم لتستمع لتلك الرسالة المسجله ” هذا الرقم غير صحيح”..!!!

حاولت مراتٍ و مرات و لكن الرد واحد..

دب الرعب بأوصالها ، إصفرّ وجهها كإصفرار وجوه الموتي ، شعرت بأن حلقها قد جف من فرط التوتر فذهبت إلي المطبخ تحضر كأسًا من الماء..

إستمعت إلي صوت الهاتف ينبأها بوصول رساله فأسرعت لفتحها ظنًا منها بأنها الرد لجوابها و لكنها صُعٍقَت لما رأت…!!

العديد من الصور التي تظهر فيها شِبه عـ.ـاريه إلّا من ملابسها الخاصه!

وضعت يدها فوق فمها تكتم شهقه كادت أن تنفلت و راحت دمعاتها تتساقط كشلالٍ جارٍ.

_لأ.. إستحالـة!!

كانت تلك جملتها الوحيدة التي ترددها شفتاها بصدمه وإستنكار و كإنما فقدت كل حروف الهجاء عدا تلك الأحرف..

ظلت تتحقق من الصور بغير تصديق ، إنها هي ، جسدها ، ملابسها ، و… و تلك الغرفه الخاصه بتغيير الملابس داخل الغرفه التي ذهبت إليها في الفندق للتصوير!!!

الآن فقط بات كل شيء واضحًا أمامها ، لم يكن الأمر منذ البداية سوي فخٍ قد سقطت فيه دون أدني مجهود.

قطع تفكيرها صوت تلك الرساله التي كتبها إليها ذاك الحقير..

” معاكي مهله أسبوع ، يا تدفعي نص مليون جنيه يا إما صورك الحلوة دي هتنور الجروبات و السوشيال ميديا كلها ”

شعرت بأن الأرض تميد بها ، قدماها لم تعد تحملها فسقطت أرضًا تبكي و تنوح علي ما حل بها..

رساله أخري قد جاءتها ، فتحتها بأيدي مرتجفه و قرأت محتواها ..

” و النهارده أول يوم من الاسبوع ، لسه ٦ ايام

إنقض قلبها وأمسكت بهاتفها تكتب له : “أنا هجيب منين نص مليون جنيه في اسبوع ؟!

_إتصرفي ، ولو ضاقت خالص ومعرفتيش تتصرفي في الفلوس وقتها هنلجأ للحل التاني.

أسرعت تكتب له بلهفه : إيه هو الحل التاني؟؟

قرأ رسالتها و لم يجب ، مرت قُرابة الساعة وهي تمسك بالهاتف تنتظر ردهُ ، تلفت أعصابها و بلغ منها التوتر كل مبلغٍ إلي أن أرسل إليها يقول : تيجيلي ، نقضي مع بعض يوم بالنص مليون جنيه ، بصراحه إنتي تستاهلي !

سقط الهاتف من بين يديها و قد شعرت بأن الكون يضيق عليها شيئًا فـ شيئا لتسقط مغشيًا عليها فاقدةً للوعي…

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

عقد الشيطان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى